2024 March 29 - جمعه 10 فروردين 1403
فضائل الإمام الجواد (ع) ودور أُمِّه الطاهرة (س) فيها
کد خبر: ٢٦٢٠ تاریخ انتشار: ٢٤ اسفند ١٣٩٧ - ٢١:٣٦ تعداد بازدید: 2323
صفحه نخست » عمومی » خطبه های نماز جمعه
فضائل الإمام الجواد (ع) ودور أُمِّه الطاهرة (س) فيها

الخطبة الأولى: 971224    8 رجب1440

توصية بتقوی الله عزوجل

عباد الله ! أوصيکم و نفسي بتقوی الله و اتباع أمره و نهيه و أحذركم من عقابه.

الموضوع: فضائل الإمام الجواد (ع) ودور أُمِّه الطاهرة (س) فيها

لا زلنا نَتَعَرَّض لنفحاتِ شهرِ رجبَ الربّانيّةِ في هذه الأيّامِ المباركة العابقةِ بمضاعفة الحسنات، واللّيالي الكريمةِ المتألِّقةِ برِفعةِ الدرجات.

ومن تمامِ فضل الله تعالى علينا في شهر رجبَ الأصَبِّ بالخير صَبّاً، أنْ جعلَه ينبوعاً صافياً متدفِّقاً  بمناسباتٍ عظيمةٍ يعُبُّ المؤمنون من نَميرِ بركاتِها عَبّاً. وها نحنُ مقبِلون بعد أيّام على إحداها؛ أَلا وهي ذكرى ولادة بابِ أبوابِ المُرادِ، ابنِ الرضا (ع) إمامِنا محمدِ الجوادِ (ع). فنتقدّم منكم جميعاً سلفاً بأحرِّ التهاني وأسمى التبريكات، سائلين الله تعالى أن يعيدَها باليمن والخير والنصر والبركات.

عبادَ اللهِ!

قد ارتأَيْت أنْ أختارَ من سيرة الإمام الجواد (ع) العطِرةِ، ما يناسبُ مناسبة عيد الأمّ التي يحتفل بها أبناءُ هذا البلد الطيب خلال الأسبوع القادم (21 آذار)، لأسلِّطَ الضوء على جوانب من عظمة شخصيّة والدة الإمام الجواد الطاهرة (ع) معرِّجاً على دور الأمّ في تربية الأجيال بإيجاز.

عبادَ الله!

لفظةُ الأمِّ في العربيةِ تعني أصلَ كلّ شيئٍ وأساسَه وجذرَه؛ وإنّما سُمِّيَت والدةُ الإنسان بالأُمِّ لدورِها الأساسِ فی وجود الإنسان ولادةً واستمرارِ حياته رعايةً... وكفاها شرفاً أن خصَّها الله بالذكر توصيةً بعد أن قرنَ حقَّه بحقِّ الوالدين بقوله: "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ".

فإن كان للأمّ ذلك الحقُّ العظيمُ والفضلُ الكريمُ بشكلٍ عامٍّ، فكيف بأمّهات المعصومين (ع) وقد كُنَّ  الوعاءَ الذي احتوى تلك الأنوار الإلهية رعايةً وعطفاً وحناناً ورأفةً حتى يستنيرَ الكونُ بهُداهُم؟ و كيف بأم الامام الجواد(ع)!

فلذلك أراد الله تعالى أن يُظهِرَ فضلَ والدة الامام الجواد بلسان ثلاثةٍ من المعصومين (ع) ما جعلها أفضل نساء زمانها مع أنّها كانت جاريةً تنتمي لطبقةٍ اجتماعيّةٍ قد تكون متدنّيةً حسْبَ تقسيمات ذلك العصر. وإليكم ما قيل في فضلها:

1 - قال رسول الله بشأن الامام الجواد و والدته: بابى ابن خيرة الاماءابن النوبيه الطيبة الفم المنتجبة الرحم.

و قال المحدّث القميّ‏ رحمه الله: وكانت نوبيّة، من أهل بيت مارية القبطيّة، أُمّ إبراهيم ابن الرسول‏ صلى الله عليه وآله وسلم.  وكانت من أفضل نساء زمانها

2 - وقال حسين بن عبد الوهّاب رحمه الله: (... عن كلثم بن عمران، قال: ... قال الرضا عليه السلام لأصحابه: (قد شبه الامام الجواد بعيسى بن مريم)"... وشبيه عيسى بن مريم عليهما السلام، قُدِّسَت أُمٌّ ولدَتْه [أي الجواد عليه السلام‏] ...)

3 - قصة شرائها جاريةً من لسان الامام الکاظم(ع)

عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ الزَّيْدِيِّ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ ع وَ نَحْنُ نُرِيدُ الْعُمْرَةَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَلْ تُثْبِتُ هَذَا الْمَوْضِعَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَهَلْ تُثْبِتُهُ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ‘ إِنِّي أَنَا وَ أَبِي لَقِينَاكَ هَاهُنَا وَ أَنْتَ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ مَعَهُ إِخْوَتُكَ‘ فَقَالَ لَهُ أَبِي‏: بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي أَنْتُمْ كُلُّكُمْ أَئِمَّةٌ مُطَهَّرُونَ وَ الْمَوْتُ لَا يَعْرَى مِنْهُ أَحَدٌ فَأَحْدِثْ إِلَيَّ شَيْئاً أُحَدِّثُ بِهِ مَنْ يَخْلُفُنِي مِنْ بَعْدِي فَلَا يَضِلَّ قَالَ نَعَمْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَؤُلَاءِ وُلْدِي وَ هَذَا سَيِّدُهُمْ وَ أَشَارَ إِلَيْكَ وَ قَدْ عُلِّمَ الْحُكْمَ وَ الْفَهْمَ وَ السَّخَاءَ وَ الْمَعْرِفَةَ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ وَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَ دُنْيَاهُمْ وَ فِيهِ حُسْنُ الْخُلُقِ وَ حُسْنُ الْجَوَابِ وَ هُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ فِيهِ أُخْرَى خَيْرٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ.....

قَالَ يَزِيدُ ثُمَّ قَالَ لِي أَبُو إِبْرَاهِيمَ ع:  إِنِّي أُوخَذُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَ الْأَمْرُ هُوَ إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ سَمِيِّ عَلِيٍّ وَ عَلِيٍّ ...ثُمَّ قَالَ لِي يَا يَزِيدُ وَ إِذَا مَرَرْتَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَ لَقِيتَهُ وَ سَتَلْقَاهُ فَبَشِّرْهُ أَنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ غُلَامٌ أَمِينٌ مَأْمُونٌ مُبَارَكٌ وَ سَيُعْلِمُكَ أَنَّكَ قَدْ لَقِيتَنِي فَأَخْبِرْهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا هَذَا الْغُلَامُ جَارِيَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مَارِيَةَ جَارِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص أُمِّ إِبْرَاهِيمَ فَإِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُبَلِّغَهَا مِنِّي السَّلَامَ فَافْعَلْ. الكافي:1315 ح 14.

فسلام الله على الإمام الجواد (ع) وأبيه وأمّه (ع)...

نعم! لم تنل الأمُّ من المكانة والمقام ما نالته في ديننا الحنيف، حتى قال الإمام الخميني (رض): "لم تحظَ المرأةُ بالاهتمام ما حظيت به في الإسلام، حتى فاقت به الرجل... فالنساء هنّ من يربّين العظماء الشجعان من الرجال في حجورهنّ... فهنَّ كالقرآن في بناء الإنسان" ليقارن في موضع آخر بين رسالة الأمّ ورسالة الأنبياء مؤكّداً بالقول: "على الأمّهات أن يؤدِّينَ عمل الأنبياء بتزكية أبنائهنّ". معتبراً الأمومةَ وأعباءَها أشرفَ عملٍ، قائلاً: "... إنّ تربية الأبناء (الصالحين) لصالح المجتمع أشرفُ عملٍ في العالم...".

لقد كان الإمام الخميني (رض) يرى أنّ كافّة مصائب مجتمعاتنا الفردية والاجتماعية تعود بجذورها لسوء التربية، داعياً للتعامل مع الأمّ باعتبارها أعظمَ مدرسةٍ لتخريج أهمّ عناصر بناء الحضارات.

وقد كان (رض) يعيش تلك الحقيقة في حياته العملية من خلال التأكيد على دور الأمّ في المنزل والأسرة بتربية الأبناء، حتى مازَحَته مرةً زوج ابنه السيدة طباطبائي بالقول: يبدو أنكم ترون ضرورة التزام المرأة (الأمّ) منزلَها؟ فأجاب (رض): "إياكم أن تستهينوا بالمنزل والأسرة وتربية الأبناء. إذ إنّ أعظم خدمة للمجتمع يتمثّل في تربية أفراد صالحين". فقد كان الإمام (رض) يعتقد أنّ الأمّ وحدها هي القادرة على القيام بأعباء التربية، دون الرجل، لما تمتلك من جرعة مضاعفة من العاطفة والحنان، والتي بها قوام الأسرة.

وكم في التاريخ من نماذج لعلماء ونوابغ حُرِموا من نعمة الأب، فتحمّلت الأمّ مسؤوليتها في التربية على أكمل وجه، ما مهّد طريق المستقبل المشرق لأبنائهم.

فعلا صدق من قال وراء كل رجل عظيم امرأة؟ قد تكون أختا أو زوجة أو معلمة وصدق الشاعر الذى قال:

الأم مدرسة إذا أعدَدْتَها________ أعدَدْتَ شعباً طيبَ الأعراق "

فالله! الله! يا أبنائي وبناتي الأعزاء بأمهاتكم والبرّ بالوالدين! وما أشدَّ ما يحزن القلبَ أن نسمع ونشهد من مظاهر مؤسفة تَنِمُّ عن استهتار وعقوق بعيداً عن توجيهات معصومينا (ع)؛

وعن الإمام الباقر (ع): "إن موسی بن عمران قال: یا رب أوصني! قال: أوصیك بي. قال: یا رب أوصني. قال: أوصیك بي (ثلاثاً). قال: یا رب أوصني! قال: أوصیك بأمك. قال: یا رب أوصني! قال: أوصیك بأمك. قال: یا رب أوصني! قال: أوصیك بأبيك".

وعن ابی عبد الله(ع) قال: جاء رجل الی النبی(ص) فقال: یا رسول الله من ابر؟

قال(ص): امک،قال: ثم من؟ قال(ص): امک،قال: ثم من؟

قال(ص): امک،قال: ثم من؟ قال(ص): اباک.

أسأله تعالى أن يرحم آباءنا وأمهاتنا ويطيل في أعمار الباقين منهم ويوفقنا لبرهم أحياءً وأمواتاً ويعين أبناءنا على ذلك عملاً بما قال الإمام السجاد (ع) في رسالة الحقوق:

فَحَقُ‏ أُمِّكَ‏ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهَا حَمَلَتْكَ حَيْثُ لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ أَحَداً وَ أَطْعَمَتْكَ مِنْ ثَمَرَةِ قَلْبِهَا مَا لَا يُطْعِمُ أَحَدٌ أَحَداً وَ أَنَّهَا وَقَتْكَ بِسَمْعِهَا وَ بَصَرِهَا وَ يَدِهَا وَ رِجْلِهَا وَ شَعْرِهَا وَ بَشَرِهَا وَ جَمِيعِ جَوَارِحِهَا مُسْتَبْشِرَةً بِذَلِكَ فَرِحَةً مُوَابِلَةً مُحْتَمِلَةً لِمَا فِيهِ مَكْرُوهُهَا وَ أَلَمُهَا وَ ثِقْلُهَا وَ غَمُّهَا حَتَّى دَفَعَتْهَا عَنْكَ يَدُ الْقُدْرَةِ وَ أَخْرَجَتْكَ إِلَى الْأَرْضِ فَرَضِيَتْ أَنْ تَشْبَعَ وَ تَجُوعَ هِيَ وَ تَكْسُوَكَ وَ تَعْرَى وَ تُرْوِيَكَ وَ تَظْمَأَ وَ تُظِلَّكَ وَ تَضْحَى وَ تُنَعِّمَكَ بِبُؤْسِهَا وَ تُلَذِّذَكَ بِالنَّوْمِ بِأَرَقِهَا وَ كَانَ بَطْنُهَا لَكَ وِعَاءً وَ حَجْرُهَا لَكَ حِوَاءً وَ ثَدْيُهَا لَكَ سِقَاءً وَ نَفْسُهَا لَكَ وِقَاءً تُبَاشِرُ حَرَّ الدُّنْيَا وَ بَرْدَهَا لَكَ وَ دُونَكَ فَتَشْكُرُهَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَ لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ وَ تَوْفِيقِهِ. تحف العقول ص : 263.

فتحيةً لكافة الأمهات في عيدهن، ولا سيما أمهاتِ الشهداء والجرحى والمفقودين دفاعاً عن دينهم وأرضهم وعرضهم. وكل عام وهنّ بخير.

أسال الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لأداء حق هذا الشهر العظيم بما فيه رضاه لخير الدنيا والآخرة.

وأسال الله تعالى أن يوفقنا و اياكم و الأمة الاسلامية جمعا لطاعته و عبادته و فأسال الله تعالى أن يوفقنا و اياكم و الأمة الاسلامية جمعا لطاعته و عبادته و أساله تعالى أن يوفقنا لننهل من المعارف الدينية الحقيقية الاصيلة وأتضرع الیه ان ياخذ بيدنا لتحصیل ما یوجب رضاه  بلزوم  تقواه. واستغفر الله لی و لکم و لجمیع المومنین و المومنات. ان احسن الحدیت و ابلغ الموعظه کتاب الله:

 

الخطبة الثانية: 97/12/24   8 رجب 1440

أللهم صل وسلم علی صاحبة هذه البقعة الشریفة، الکریمة علی رسول الله و أمیر المومنین، و العزيزة علی أخویها الحسن والحسین، بطلة کربلا و عقیلة الهاشمیین ، بنت ولی الله، و أخت ولی الله، و عمة ولی الله، زینب الکبری علیها  أفضل صلوات المصلین.

أللهم وفقنا لخدمتها في هذا المکان الشریف، و هب لنا دعائها الزکي ، وارزقنا شفاعتها المقبولة، آمین یا رب العلمین.

عباد الله! أجدّد لنفسي ولکم الوصیة بتقوی الله، فإنها خیر الأمور وأفضلها.

أيها الاخوة و الأخوات!

لا يفوتني قبل الدخول في الخطبة الثانية أن أتقدم منكم جميعاً بالتهاني سلفاً لمناسبة ذكرى ولادة وليد الكعبة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، التي ستحلّ نهايةَ الأسبوع القادم. وبسبب ضيق الوقت، سنخصص لها خطبة الأسبوع القادم إن شاء الله.

عباد الله! في غمرة تيه العالم بصحراء الماديات التي تضرب كلَّ القيم النبيلة، يأتي شهر رجب بمثابة واحةِ راحةٍ روحيّةٍ خضراءَ يجد فيه الإنسان المؤمن ملاذاً لتجديد قواه الروحية واستعادة طاقاته المعنوية من خلال مجموعة من الأعمال؛ وعلى رأسها الاعتكافُ الذي حثّ عليه الإسلام ونال حظوةً مميَّزةً في سيرة المعصومين الأطهار (ع).

والاعتكافُ لغةً لزوم الشيء وحبس النفس عليه. أمّا اصطلاحاً؛ فقد عرّفه الإمام الخميني (رض): "وَ هُوَ اللَّبَثُ فِی المَسجِدِ بِقَصدِ التَعّبُدِ بِهِ وَ لا یعتَبَرُ فِیه ضَمُّ قَصدِ عِبادَةٍ اُخری خارِجَةً عَنهُ وَ اِن کانَ هُو الاَحوِط". يعني المقصود الأصلي من الاعتكاف هو الحضور في بيت الله تعالى بقصد التعبد.

فالاعتكافُ بهذا المعنى تحرُّرٌ من أنانيّة النفس للتحليق في آفاق الرحمن الرحبةِ؛ وكأنّ ملازمة بيت الحقّ وهجرَ بيت الخَلق طوعاً رمزٌ لحقيقة تلك العبادة المستحبّة، عملاً بحديث الإمام الصادق (ع): "فِی التَّوْراةِ مَکْتُوبٌ یَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبادَتی اَمْلاءُ قَلْبَکَ غِنیً وَلا آکِلْکَ إِلی طَلَبِکَ وَعَلَیَّ اَنْ اَسُدَّ فاقَتَکَ"

وفي الحديث النبويّ: "مَنِ اعْتَکَفَ یَوْماً اِبْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ جَعَلَ اللهُ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ النّارِ ثَلاثَةَ خَنادِقَ"

وفي حديثٍ آخر: "اَلْمُعْتَکِفُ یَعْکِفُ الذُّنُوبَ وَیَجْری لَهُ مِنَ الْاجْر کَاَجْرِ عامِلِ الْحَسَناتِ کُلِّها"...

فما أجدَرَ بنا، ولا سيما الشبابَ، أن نستثمر هذا الشهر لأداء تلك الفضيلة كي تصيبنا من نفحاتها المعنوية ما تعيننا على مصاعب الدهر، وتنجينا من أهوال القبر، وتأخذ بيدنا يومَ الحشر.

أمّا محور حديثي في هذه الخطبة، فيدور حول أبعاد الزيارة التاريخية التي قام بها رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية للعراق الشقيق على رأس وفد رفيع؛ حيث تعلّقَت أنظار العالم ووكالات الأنباء بتفاصيلها وتداعياتها ونتائجها المترقَّبة، لا سيّما إذا أخذنا بعين الاعتبار الثقلَ الإستراتيجيَّ الذي يحظى به كلٌّ من الدولتين في محور المقاومة.

ولكن أتدرون لماذا حظيَت تلك الزيارة بذلك الاهتمام العالميِّ الواسعِ؟

لأنّها أتت بعد زيارة ترامب الأخيرة قبل عدة أشهرٍ للعراق، وبالتزامن مع ارتفاع نبرة تهديداته الهَوجاءِ ضدّ الجمهورية الإسلامية بفرض حصارٍ خانقٍ عليها، وقطعِ تواصلِها مع جيرانها والعالم. فماذا كانت النتيجة؟

 لن أدخل في تفاصيل الاتفاقات التي وُقّعَت  بين الجانبين الإيراني والعراقي على أهميتها، بل سأكتفي بمقارنة بسيطة بين الزيارتين من حيث الشكل؛ الأولى لرئيس دولة تعتبر نفسَها القوى الكبرى في العالم وتدّعي أنها ستفرض حصاراً لم يشهد له التاريخ على إيران. والثانية لرئيس دولةٍ يدّعي ترامب أنّه يحاصرها. حتى نعلمَ مَن يحاصِرُ الآخَرَ؟

وإليكم تلك المقارنة:

1. دخل الرئيس الأمريكي ترامب العراقَ خِلْسةً بكلّ ما للكلمة من معنى؛ فلم يُعلَن عن زيارته مسبقاً. في المقابل، سبقَ زيارةَ الرئيس روحاني إعلانٌ رسميٌّ عن موعدها وجدول أعمالها.

2. وحتى يؤكّد ترامب سفرَه خِلسةً توجّه للعراق تحت جُنحِ الظلام ليلاً. بينما وصل الرئيس روحاني ضيفاً عزيزاً على العراق جِهاراً نهاراً.

3. لم يصطحب ترامب معه في زيارته سوى زوجته. بينما رافق الرئيسَ روحاني وفدٌ كبيرٌ رفيعُ المستوى.

4. لم يتمكّن ترامب إلا من زيارة قاعدة عسكرية لجنوده الذين اكتفى بلقاءِ عددٍ محدودٍ منهم ليُقفِلَ راجعاً مسرعاً بعد ثلاث ساعاتٍ فقط من وصوله في سلوكٍ أشبَهَ بتصرّفات اللصوص. أما الرئيسُ روحاني فقد استمرّت زيارته ثلاثة أيام وسطَ استقبالٍ حافلٍ من قِبَل كبار المسؤولين العراقيين أُجْرِيَت فيه كافّة البروتوكولات الرسمية الخاصّة التي تليق بكبار الضيوف من الرؤساء.

5. فشل ترامب خلال زيارته في اللقاء بكبار المسؤولين العراقيين على مستواه الرسمي باعتباره رئيساً لأمريكا. بينما يمكن القول بأنه لم يبق مسؤولٌ عراقيٌّ حكوميٌّ أو غير حكوميٍّ إلا والتقى بالرئيس روحاني في أجواءٍ من الوئام والأخوّة والودّ.

6. أمّا على المستوى الشعبيِّ؛ فلا حاجةَ للحديث عن هذا الأمر بالنسبة لترامب. ولكن لا يمكن التغاضي عن حفاوة الاستقبال الشعبيّ الذي حظي به الرئيس روحاني من مختلف الأطياف الممثلة للشعب العراقي؛ إذ يكفي أن نشير لتجمع المواطنين وعلى رأسهم زعماء وأبناء العشائر العراقية الأصيلة في السفارة الإيرانية قبل وصول الرئيس روحاني للعراق تعبيراً عن مشاعر الفرح والسرور وعمق العلاقة بين الشعبين العراقي والإيراني.

7. وأمّا أهمُّ برامج زيارة الرئيس روحاني للعراق، والتي لن يحلمَ بتحقيقها ترامب ومن معه، فتَمَثَّل في توجهه للنجف للتشرّف بزيارة مقام أمير المؤمنين (ع)، ومن ثمّ اللقاء بسماحة آية الله العظمى السيد السيستاني وباقي المراجع والعلماء وأعضاء من أسرة الإمام الخميني (رض) هناك.

بعد تلك المقارنة السريعة، نخاطب ترامب والعالمَ كلَّه: هل أمريكا تحاصر إيران؟ أم أنّ الحقيقة عكس ذلك؟

إنّ ما رافق زيارة الرئيس روحاني للعراق من حفاوة وتقدير يكشف حقيقة وضع أمريكا المتأزِّم في المنطقة، وأنّها هي المحاصَرة والمنبوذة والمكروهة من شعوبها التي لن تنسى مواقف الجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة في الدفاع عن حقوقها وأرضها وكرامتها في مواجهة الاستكبار والصهيونية والتكفير والإرهاب.

كما أنّ هذه الزيارة كشفت فشل المشروع الأمريكي. وهذه حقيقةٌ لا تتبنّاها محور المقاومة فحسب، بل اعترف بها ترامب نفسُه حين قال في أعقاب زيارته الفاشلة للعراق بحسرة: "حين تكون قابعاً وزوجتَك في طائرة مظلمة، لا يُسمَحُ فيها بالإضاءة وسطَ نوافذَ مغطّاةٍ بستائرَ تمنع أي بصيص نور... عندها سينتابك القلق حقاً... على نفسك... وعلى زوجتك بالخصوص"

وما أحبطَه أكثرَ، أنّه شعر بالأسى على تلك التريليونات السبعة التي أنفقتها الإدارة الأمريكية على مشروعها في العراق والمنطقة، لتكون حصيلتُها التسلّل على رؤوس أصابع قدميه كاللصوص وسط الظلام لزيارة قاعدة عسكرية لثلاث ساعات فقط... فأيُّ خزيٍ وعارٍ أعظم من ذلك...

أما محور المقاومة، فلن يزيدها ذلك الحدث إلا إيماناً بالله الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء، وتصميماً على التمسك بالمقاومة سبيلاً لعزة شعوب المنطقة. وهما ما يقوم عليه أصل نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقيادة سماحة الإمام القائد الخامنئي دام ظله الذي أطلق بشارتَه قائلاً: "إنّ أمريكا سائرةٌ نحو الأفول"، وما ذلك على الله بعزيز، وإنّ المستقبل مشرقٌ وزاهرٌ بالنصر للمقاومة وأبنائها كما شهدنا في سوريا والعراق ولبنان وغيرها...فنحن نعيش- كما قال إمامنا الخامنئي- أيام بدر وحنين...

فأسأل الله تعالى أن ينصر الأمة الاسلامية ومحور المقاومة والمجاهدين في كل مكان.

وأسأله تعالى أن ينصر جميع الشعوب المستضعفة في مواجهة المستكبرين والصهاينة والمتصهيِنين.

اللهم اغفر لنا، و لوالدینا و لمن وجب له حق علینا.

اللهم اصلح کل فاسد من امور المسلمین. اللهم لا تسلط علینا من لایرحمنا.

اللهم اید الاسلام و المسلمین، واخذل الکفار و المنافقین.

اللهم احفظ مراجعنا الدینیه لاسیما السید القائد الامام الخامنئی.

اللهم عجل لوليك الفرج و العافية و النصر واجعلنا من خير أعوانه و أنصاره و شيعته و محبيه.

استغفر الله لی و لکم و لجمیع المومنین و المومنات. ان احسن الحدیت و ابلغ الموعظه کتاب الله:

 

 

 

 

 



Share
* نام:
ایمیل:
* نظر:

پربازدیدترین ها
پربحث ترین ها
آخرین مطالب
صفحه اصلی | تماس با ما | آرشیو مطالب | جستجو | پيوندها | گالري تصاوير | نظرسنجي | معرفی استاد | آثار و تألیفات | طرح سؤال | ایمیل | نسخه موبایل | العربیه
طراحی و تولید: مؤسسه احرار اندیشه